منتديات التربية والتعليم الجزائرية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
mari
mari
انثى
عدد الرسائل : 39
العمر : 48
العمل/الترفيه : prof
نقاط النشاط : 1
نقاط : 4
تاريخ التسجيل : 08/10/2008

لماذا التربية الفنية ؟ Empty لماذا التربية الفنية ؟

السبت 8 نوفمبر 2008 - 19:40
لماذا التربية الفنية؟



حياتنا الاجتماعية، في عصرنا الحاضر، حافلة بالتغيرات الفنية المختلفة العفوية منها، والتلقائية. فكثيرا ما نجد الإنسان يغني ويرقص... يحنث ويرسم. يتعالم مع الفن بعشق، ومحبة وحنان. ذلك ليكون شخصيته الاجتماعية، والحضارية. خاصة، وأن الفن، في عصرنا، أصبح كلمة على ألسنة الناس، ولحنا يدخل أعماقهم، فيطربهم، ويهز مشاعرهم، ورمزا من رموز الوعي، والذوق والثقافة. ( المتاحف، المجلات، اللوحات... ) من هنا يبرز افتخار الأمم والشعوب بفنانيها ومفكريها، مثلما تفتخر بقوادها وحكامها.

نعم للفن أهمية كبرى لا غنى عنها أبدا، فهو يمس خصائص حياتنا اليومية، كالملبس والمسكن والأثاث.

فأي نشاط إنتاجي أو صناعي يخلو من الذوق الفني، والإبداع المحبب هو إنتاج رتيب ورخيص. وأية صورة طبيعية تبدو حولنا خالية من مساحات السحر والجمال، هي صور جافة وميتة، فلا يمكن أن نتصور الأرض دون أن تنبت أخضرا أو شجرا، ولا يمكن أن نتصور السماء رمادية اللون. ولا كل الوجوه الإنسانية صور مكررة دون تغيير. والمباني لونها كلون الطين.

وكذلك، لا يمكن تصور انعدام الموسيقى، والخط، واللون فيا لها من حياة إنسانية تحيط بها هذه البيئة المحطمة الهشة! إنه الإنسان، في مثل هذا الواقع، سيلجأ إلى ارتكاب الجرائم، واعتناق الشر طريقا...

لأن الذوق الجمالي مغروس في الإنسان منذ وجد، فهو لا يقدر أن يعيش بدونه، ولا يرضى بشيء آخر بديلا عنه منذ طفولته. ومنذ أن درج على الأرض، أخذ الفن يناجيه، وأصغى هو بدوره إليه، منذ أن كان في السرير، وجد نفسه من الصعوبة، أن يستسلم للنوم دون سماع صوت أمه، ترنم له الغناء، فيطرب ويرتاح... وكذلك، لم يجد نفسه في حالات النشوة، إلا وهو يناغي بهمس ورقة. والمناغاة تعبير تلقائي جميل، ينبغ من أعماق نفسه.

من هنا، أصبح لزاما علينا أن نهتم بالفن و الإبداع؛ ننميه في ذات أطفالنا الصغار، وهم على مقاعد الدراسة، أو في غرفة البيت، نرعاهم، ونوجههم، دون المساس في جوهر تعبيرهم؛ نؤمن لهم كل ما يلزم، من أجواء ومواد وخامات، لكي يكون باستطاعتهم العطاء، العطاء النافع والبناء. لأن في الفن، يرى الطفل شخصيته المستقبلية، ويرى ذاته القادرة، عدا عن تهذيب العقل وصقل الروح.

الطفل ولد مع التعبير والحركة والخلق، فهو منذ إيقاعه الأول، إيقاع الحركة والمشي، يلصق القلم على الورقة معطيا خطوطا عشوائية، ليس لها نظام إيقاعي خاص؛ وتطورت هذه الخطوط، مع التقدم الزمني والاجتماعي للطفل، حتى أصبحت خطوطا متشابكة قي كل الاتجاهات؛ فكان أن ظهرت بوادر الرسم لبندولي المتشابك، يرسمها وهو منبطح على بطنه، وكأنه يمارس الرسم بجسمه كله. انطلاقا من هذه الخطوط، وهذا التعبير، ندعو إلى الاهتمام لأطفالنا من خلال التربية الفنية.

هذه المادة التي يجب أن نعممها، على كل مراحل الدراسية الابتدائية والمتوسطة، ويجب أن نعممها في كل المؤسسات التربوية العامة والخاصة. لا من أجل أن نصنع من هؤلاء الأطفال فنانين ورسامين؛ بل، لكي يمارس الأطفال عملية الرسم والتلوين، بحرية وعفوية؛ ليتذوقوا ما في هذه الممارسة من متعة للشعور وللتفكير؛ خاصة وأن الفن لم يعد يقتصر على الفنانين المحترفين، ولا على المتاحف، وصالات العرض، بل دخل حياتنا العامة والمدرسية، وأصبح وسيلة تربوية أساسية، يلعب دورا مهما في بناء الشخصية الإنسانية المتكاملة. فالقصد إذا من برامج الرسم والتلوين في المدارس، هو شحذ حواس الولد الطرية، وإيقاظ نشاطه الفكري الحر.

ومن الخطأ، اعتبار الرسم، في المدارس، عملية يتلقن فيها التلميذ عادات وطرائق يدوية في النسخ الطبيعة والأشكال؛ بل القصد، هو أن يكتسب خصالا نفسية، تتأصل في شخصيته، وتصبح من طبائعه الأساسية، ‘إذ أن هذه الخصال، تنمو وتتطور مع الولد، إذا أحيط بجو الحرية والتفهم عن طريق ممارسة اللعبة الفنية. لذلك، أعتبر أن وجود معلم الرسم الكفء في مدارسنا قضية لها أهميتها الكبرى، لأنه لا قيمة لمادة التربية الفنية من غير موجهها ومدبرها.

وإعداد هذا المعلم تتطلب أمور كثيرة: منها ما هو نظري، ومنها وما هو عملي، ووضعه أيضا في أجواء المعارض الفنية والمحترفات المتطورة.

إن رسوم الأطفال تحمل حالات " الأنا"، بأبسط معاني فرحها وأحزانها. وعلينا كمعلمين ومربين، أن نحترم عطاء الطفل، وأن نوجه تصوراته برفق وحنان. إذ في هذا العطاء، تنمو حضارتنا الفنية، وتصبح البيئة أفضل مما كانت عليه، لأن الطفل يعتاد خدمة الحضارة، وهو على مقاعد الدراسة.

المعلم لا يعلم الطفل الفن كفن، والرسم كرسم، بقدر ما يعلمه الملاحظة، ولفت النظر، بغية تنمية قدراته، فهو ليس بحاجة إلى نظريات، ومبادئ، بل هو أحوج ما يكون إلى المحادثة، والتشجيع، لنعلم الطفل كيف يفكر، ويبتكر بحرية، ولنلاحظ إنتاجه بحذر من غير مساس مباشر، فنكسبه فيما بعد رجلا يعتاد التفكير، والابتكار بحرية تامة.

هذه الملامح التربوية في التعبير الفني، كان قد أوصى بها المجمع العالمي للتربية الفنية في مؤسسة اليونيسكو العالمية، حيث دعا إلى ترك حرية العمل الفني لدى الأطفال، واحترام إنتاجهم وتطوير عملية الإبداع لديهم. ثم دعا لتنمية الذوق الفني داخل المدرسة وخارجها.
منقول من كتاب مبادئ التربية الفنية للدكتور أكرم قانصو
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى